:مكتب دمشق الإعلامي – خاص:
روز الدالاتي
على جدران مسجد علي بن أبي طالب في حي نهرعيشة بدمشق، وبمحيط سوق عاصم، ما تزال بقايا الإعلانات التي تدعوا الشباب للانضمام إلى "اللجان الشعبية" موجودة حتى اليوم، تحكي قصة حي عاش، منذ ألصقت هذه الإعلانات وطُبقت، إنفلات أمني وقانوني، تحكمه سلطة السلاح والتشبيح.
"تعرضت عدة مرات لتهديد بمالي وأولادي من قبل شبان مسلحين، يسمون أنفسهم لجان شعبية، يدعون أنهم يحموننا"، هذا ما قاله أبو وليد، أحد سكان حي نهر عيشة جنوب العاصمة دمشق، في حديثه لـ "مكتب دمشق الإعلامي".
أكثر من عشرة أعوام، عاش أبو الوليد وعائلته في الحي، لم يفكروا حتى خلال المعارك التي دارت هناك بالمغادرة، قبل أن يضطروا لذلك نهاية 2014، جراء المضايقات التي تعرضوا لها من قبل مسلحي منطقتهم التابعين لنظام الأسد، خاصة بعد رفض ابنهم التطوع لجانب النظام، ما جعلهم محط أنظار "شبيحة" الحي أو ما يعرف بـ"اللجان الشعبية".
ويضيف أبو وليد، " لم أكن أتخيل يوماً أن المضايقات، ستطال بناتي، وأمام أعيني، دون أن استطيع فعل شي، حتى أنهن لم يعدن يخرجن من المنزل الا للضرورة، حتى لا يتعرضن للتحرش".
قصة اللجان في الحي
تعود قصة اللجان الشعبية في حي نهر عيشة، الملاصق لحي الميدان، إلى منتصف الـ2012، بعد حادثة دخول فصائل من الجيش الحر بقيادة أبو علي خبية إلى حي الميدان.
تغيرت بعدها سياسة تعامل النظام مع أحياء دمشق، خاصة تلك التي خرجت ضده فيما سبق، فعزز انتشاره العسكري بالعاصمة، ونشر الحواجز العسكرية فيها، مقطعاً أوصالها، بقضبة أمنية محكمة.
لم يكن حي نهر عيشة ببعيد عن تلك القبضة، إلا أن النظام تعامل معه بطريقة مغايرة لباقي الأحياء، فبعد انتهاء الأحداث المسلحة التي شهدتها دمشق، ازداد نفوذ العلويين القاطنين في الحي، وبسطوا سلطتهم عليه، حتى أصبحت لهم صلاحيات واسعة، وبدأوا بتشكيل "اللجان الشعبية" ومحاولة ضم شباب الحي لهم بطرق عدة.
عمل هؤلاء على تجنيد أبناء الحي في صفوفهم، وقاموا بتسليحهم وتوظيفهم في اللجان الشعبية، على أن يعلنوا ولائهم الكامل للأسد.
مم تتألف اللجان الشعبية؟
تعرف "اللجان الشعبية"، بأنها مجموعة من الشبان المتطوعين من أبناء المنطقة المتواجدين فيها، بحجة حراستها، من "المجموعات المسلحة" حسب تعبيرهم، ويقوم النظام بتسليحهم مقابل صورتان شخصياتان وصورة عن الهوية، وان كان عمر المتطوع لم يتجاوز العشرين.
ويتحدث الناشط الإعلامي، (يوسف الإبراهيم):"استطاع العلويون ومؤيدو الأسد من أبناء الحي، إجبار عشرات الشبان على الانضمام إلى اللجان، من خلال التضييق عليهم، حيث قاموا بحملات مداهمة يومية، واعتقالات عشوائية طالت العشرات، ما جعل الخوف يتسلل لمن بقي في الحي، فينضم إليهم، كغطاء لحماية نفسه وعائلته".
وهذا ما أكده قصي الذي لم يقبل الانتساب لهذه اللجان، "تأتي عناصر اللجان الشعبية مرتين في الأسبوع، للسؤال عن عقد الإيجار، والموافقة الأمنية، وعدد سكان المنزل، والعديد من الأسئلة التي تسعى للتتضيق على الأهالي حتى يضيقوا ذرعاً بالعيش في المنطقة".
ويقول قصي: "أصبحنا نفكر جدياً في مغادرة المنطقة، وبدأنا بالفعل بالبحث عن منزل في دمشق، بعيداً عن المضايقات التي نتعرض لها من قبل لجان حي نهر عيشة".
وانتشرت في الآونة الأخيرة، العديد من عناصر حزب الله بالمنطقة الواقعة بين الدحاديل، ونهر عيشة، وسكنوا وعائلاتهم فيها، ما ساعدهم على أن يكونوا قوة، إلى جانب اللجان الشعبية.
حماة للوطن أم سارقين له
يؤكد حسن أحد قاطني الحي، لـ"مكتب دمشق الإعلامي"، أن اللجان الشعبية، هي أقرب ما تكون إلى عصابات الشوارع، ويقول: "يتجمعون في كل حي، وينصبون الحواجز، لتأخذ أتاوة من كل سيارة تدخل إلى الحي محملة بمواد غذائية، وابتزاز الشباب، لأخذ المال منهم، وذلك عن طريق سؤالهم عن وضعهم العسكري، وعن سبب عدم انضمامهم لهذه اللجان".
ويضيف، نظراً لضعف الراتب الذي يتقاضوه، حيث لايتجاوز ال 25 ألف، تم إضافة نظام الحوافز، لتشجيع العصابات على التفاني في نهب الوطن وحماية القائد.
ويسهب قائلاً: " تتحكم هذه اللجان في معظم الخدمات من مياه وكهرباء، حيث تلجأ للتضيق على الأهالي عبر قطع تلك الخدمات، وتتجاوز ذلك إلى التهديد بخطف الفتيات، مثل ما حصل مع جارنا الذي غادر سوريا حفاظاً على عرضه".
السلطة لمن يملك السلاح
وعن المضايقات يشير حسن إلى ازدياد حدتها في الفترة الماضية، حيث انتشرت الدوريات المسلحة التي ليست لها أي صفة رسمية سوى أنها "لجان شعبية"، حتى أصبح من الممكن أن يتعرض أي شاب لم تجاوز ال 16 من عمره لمشكلة، مع شاب آخر، فيقوم باستقدام دورية من لجان حارته، كسلطة وهمية، لافتعال مشكلة، وأحيانا تصل بهم المشاجرات لاستخدام السلاح.
ويضيف، يمكن لمن يحمل بطاقة اللجان، أن يقوم بعمليات سرقة في وضح النهار، فيوقف أي شاب بحجة تفتيشه، ويقوم بسرقته دون تمكن الأخير من الاعتراض.
ويقول: "وثقت عدة عمليات سرقة للمنازل بحجة المداهمات والتفتيش!".
بديل أكثر توفيراً
ازدادت نسبة الشباب المنضمين إلى اللجان من الحي، لتفوق الـ 60%، في حين هاجر عدد من الشبان واعتقل آخرون، فيما يعيش الباقون جحيم التخوين والابتزاز المستمر.
ولاتقتصر اللجان على طائفة معينة، حيث أن الكثير من "السنة" في الحي تطوع لجانبهم، حتى أن بعضهم تشيّع (أي أصبح شيعياً)، لما يتمتع به الشيعة من امتيازات تجعلهم مقربين من النظام.
وتشكّل اللجان الشعبية، بالنسبة لنظام الأسد، صمام أمان في المناطق التي خرجت ضده سابقاً، فوظف الشباب لخدمته، وقمع الثورة من خلالها بالوقت نفسه.
ويرى أحمد، من سكان نهر عيشة سابقاً، أن النظام لا يملك عناصر بما فيه الكفاية، لتبقى كل المناطق تحت سيطرته، فهو يعاني من نقص على الجبهات، حتى اضطر للاستعانة بالأجنبي،
وأن يوظف شباباً من الحي ذاته، يضمنون حمايته، ويضمن ولائهم، برواتب رمزية أفضل من أن يأتي بعناصر من الجبهات ويضعهم في منطقة تحت سيطرته.
ويقول :"اتبع النظام مع الشباب سياسة اعطيه القليل من الامتيازات ليرضى، فتكون الخيارات أمامهم محدودة، إما الاعتقال أو الملاحقة والمضايقة، أو أن تكون معنا ونعطيك مبلغ مالي ومنصب يميزك عن غيرك".
عمليات "التعفيش"
بسطت اللجان الشعبية سيطرتها على العديد من المنازل السكنية التي تركها أصحابها في حي نهر عيشة بدمشق، وقطنوا وعائلاتهم في العديد من المنازل الفارغة دون قانون يردعهم أو سلطة تمنعهم من ذلك، إضافة لقيامهم بمضايقات مستمرة للأهالي الذين لم يعلنوا ولائهم للنظام، بهدف إخراجهم من المنطقة.
وعليه يؤكد قصي، أنه خلال معركة "الله الغالب" التي اندلعت أيلول العام الماضي في ضاحية الأسد، اضطرت العديد من العائلات ذو الغالبية العلوية والشيعية للنزوح إلى مناطق داخل دمشق، وكان حي نهر عيشة أحد وجهاتهم، ، إلا أن الكثافة السكانية في الحي حالت دون عثورهم على منازل، ما دفع اللجان الشعبية والعلوية إلى تكثيف مضايقاتهم للعديد من الأهالي، خاصة المستأجرين أو النازحين من مناطق آخرى، "بدافع الاستيلاء على المنازل لصالح العائلات المؤيدة، أو بمعنى آخر التشبحية" حسب تعبير قصي.
كما تعد اللجان الشعبية، مسؤولة عن معظم عمليات "التعفيش"، أي سرقة أثاث المنازل، في المناطق التي دخلها جيش النظام بعد مغادرة أهلها.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الصور ومقاطع الفيديو، التي تظهر عناصر اللجان، وهم ينقلون أثاثاً من مناطق هاجر أهلها فراراً من بطش النظام.
وكثرة في مناطق عدة موالية، في دمشق وغيرها أسواق للأثاث الذي تم "تعفيشه"، تحت مسميات بينها أسواق "السنة"، كالتي في المزة 86، والسومرية غربي دمشق.
التمويل والتدريب والتقسيمات
بدأت تلك الظاهرة بالتسمية الشائعة "اللجان الشعبية"، ومع مرور الوقت، واستمرار الصراع، ظهرت جماعات موالية أخرى، تحت مسميات عدة، وفق الجهات الممولة والمدرية.
"قادش" وهي اختصار لـ( قوات أمن الدعم الشعبي) وهي إحدى الجماعات التي تبناها الحرس الجمهوري في جيش النظام، حيث فتح باب التطوع، مقابل إغراءات مادية وإعفاء من الخدمة الإلزامية وتميزت تلك الجماعة، بمهام قتالية خاصة، على الجبهات ولم تقتصر على التواجد في الأحياء السكنية.
"لواء درع الساحل"، وهو أحد التشكيلات التي ظهرت في مدن الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، ويدعو شبان تلك المدن للانضمام إليه، دون النظر إلى شرط العمر.
في وقت عمل "حزب الله" اللبناني، على تدريب وتمويل تشكيل عسكري قوامه من الشباب السوري، اسمته تقارير إعلامية بـ"حزب الله السوري"، كما قام "الحرس الثوري الإيراني"، بإنشاء ميليشيا شيعية طائفية، في عدة مناطق بسوريا، لاسيما في ريف حمص الغربي.
"جمعية البستان"، لصاحبها رامي مخلوف ابن خال الأسد، التي تنتستر بثوب النشاط الإنساني الخيري، وحقيقة تعمل على تمويل جماعات مسلحة موالية، ينتشرغالبها في دمشق.
ولم تقتصر المجموعات الموالية للنظام على الشباب، وإنما تشكلت مجموعات نسائية مسلحة، غالبيتها ذات صبغة طائفية، وانتشرت في مناطق النظام.
"كتائب البعث"، وهو تشكيل عسكري تابع "لحزب البعث"، قوامه من الطلبة في الجامعات السورية، ويتم تدريبهم في معسكرات قريبة من العاصمة دمشق.
وينتهك الطلبة المنتسبون لكتائب البعث، الأنظمة الجامعية والامتحانية، بحيث يحصلون على ميزات وتسهيلات خلال دراستهم تفرضها مهامهم العسكرية الموالية للنظام.
ويفاخر يعرب، بانتسابه لكتائب البعث و يتحدث بين رفاقه في الجامعة قائلاً: " لن يستطيع أي دكتور أن يضع لي علامة تحت الـ 80"".
ويتابع يعرب، "سلطتنا تفوق أي دكتور جامعي، وبإمكاني طرد أي طالب من الجامعة متى أردت ذلك".
مع الانفلات الأمني، وفوضى السلاح، في مناطق النظام، بات المدنيون تحت رحمة تشكيلات مسلحة تجتمع على مسمى "الشبيحة"، تعيث فساداً وظلماً واستغلالاً، حتى أصبحت تلك المناطق أشبه بغابة، لا مكان فيها الا للقوي وصاحب السلاح والنفوذ.