برزة، مكتب دمشق الإعلامي:
برزة , حي دمشقي عريق يجاور جبال قاسيون شرقاً , بات اسمه مطروقاً بكثرة على القنوات و الشبكات الإخبارية خلال العام الماضي , وكان من أوائل أحياء دمشق التي انتفضت بوجه نظام بشار الأسد.
قدّم في ( الجمعة العظيمة ) بداية الثورة السورية سبعة شهداء خلال تفريق قوّات النظام لمظاهرة خرجت من جامع السلام فيه , واستمر الحي يعبر عن انتفاضته ضد النظام الأسدي سلمياً و ظهرت بوادر الحراك المسلّح عبر عناصر من الجيش الحر التي كانت تحمي مظاهراته.
اقتحمت قوّات الأسد برزة مرات عديدة في بدايات الثورة , وطُبع في ذاكرة أهاليها اقتحامان في الشهر السابع من عام 2011 أحرقت فيهما قوّات الأسد منازل المدنيين و أملاكهم و اعتقلت المئات من شبانه و نسائه فيما كان آخر شهر أيلول من عام 2012 قد شهد إعدامات ميدانية لعوائل بأكملها داخل بيوتهم .
لتبدأ بعدها مناوشات بين عناصر الجيش الحر في الحي و قوّات النظام تساندها ميليشيات سميت فيما بعد بالدفاع الوطني تقطن في جبل عش الورور الملاصق لبرزة , نتج عنها حالات خطف متبادل لضباط وعسكريين مقابل مدنيين من الحي و استمرت هذه المناوشات طويلاً ثم فرض الجيش الأسدي بعدها حصاراً خانقاً على برزة مع بداية شهر آذار من العام المنصرم , واندلعت على إثره المعركة الأخيرة والتي استطاع عناصر الحر خلالها تكبيد قوّات النظام خسائر كبيرة بالعتاد و العدة.
يحدثنا أبو قيس ( ناشط إعلامي من الحي ) عن المعركة فيقول: " الاشتباكات كانت مستمرة خلال الأشهر العشر الماضية , دارت رحاها في سبع جبهات وهي : حارة البستان , ضهر المسطاح, طريق الحنبلي , الحارة الغربية , حي تشرين, الشرطة العسكرية , جبهة الغمة ,
و استطاع عناصر الحر خلالها تدمير عشر دبابات و 8 مدرعات فضلاً عن إصابة طائرة حربية فوق سماء الحي , كما اعترف إعلام النظام بمقتل 170 عنصر مما يعرف بجيش الدفاع الوطني وحده , القصف كان عشوائياً و همجياً , الطيران الحربي وحده شنّ نحو أربعين غارة جوية علينا , يضاف إليها الرشاشات الثقيلة المتمركزة على سفوح قاسيون وجبال البحوث العلمية وعش الورور , كلها كانت تصب نيرانها على برزة , لا بل حاولت عناصر الجيش تفجير منطقة ضهر المسطاح بعشرة أطنان من مادة ال (تي إن تي ) و لله الحمد لم ينجم عن هذا التفجير إلا الأضرار المادية " .
بعد هذه المعارك , توصل الطرفان لعقد اتفاق لوقف إطلاق النار , مقابل فتح الطرقات و تخفيف مضايقات الحواجز لأهالي برزة في دمشق , و إطلاق سراح معتقلي الحي في سجون النظام. ليبدأ الأهالي
بالدخول تدريجياً إلى الحي وتفقّد منازلهم , بعد غياب لعشرة أشهر كاملة عنها. 

وروى لنا بعض الشهود مشاهداتهم بعد خروجهم من الحي:
تحدثنا روان وهي إحدى سكان حارة التركمان في برزة ( تقع تحت سيطرة الجيش ) عن دمار هائل فيها , فضلاً عن فرض طوق أمني مشدد حولها ومنع السكان من الوصول إليها خلال الأيام الماضية , و بعد سماح قوات الأسد لهم بدخولها وجدوها محروقة بالكامل مع سرقة طالت كل محتويات المنازل و المحال التجارية فيها.
يضيف محمد و هو من قاطني ظهر المسطاح أنه وجد بيته عبارة عن فتات ترابي , بعد قصف عنيف استهدفه و تحت تأثير الانفجار الضخم الذي أشرنا إليه سابقاً.
ياسر من سكان منطقة الضيعة في برزة أشار لنا أيضاً عن سرقة منزله بعيد بدء الهدنة هناك , و أكد بأنه استطاع الوصول لبيته بعد فتح الطرقات منذ أيام ليجد فيه جميع محتويات المنزل من أثاث و ملابس , لكنه فوجئ بعد مجيئه ثانيةً إليه بسرقة البراد و التلفاز وبعض الملابس .
عمر هو الآخر تحدث عن سرقة بعض أغراض منزله من كهربائيات و أثاث , موجهاً أصابع الاتهام لبعض المدنيين الذين استطاعوا الوصول للمنزل بعد تفقده إياه في الأيام الأولى من الهدنة.
يحاول عناصر الجيش الحر و الهيئات المدنية في برزة حفظ الممتلكات فيه اليوم رغم الكم الهائل من المدنيين الذين عادوا لتتفقد بيوتهم , ويشرف على هذا الأمر شرطة عسكرية من أهالي الحي مهمتها منع انتشار المظاهر المسلحة داخل برزة أمام المدنيين , و هيئة شرعية يسجل فيها المتضررين المسروقات لمحاولة استعادتها حال إيجادها , و تحدث أبو قيس لنا عن ثلاث حالات اعتقال لأناس أثناء سرقتهم منازل سكان آخرين , يضاف إليها اعتقال عنصرين من عناصر الجيش الحر أثناء المعركة الماضية بعد دخولهم لأحد المنازل و سرقة أثاث منه .
و عن رأيه في هذه الهدنة يقول أبو قيس أنها كانت أمراً جيداً بالنسبة لأهالي الحي الذين خرجوا منه واضطروا لاستئجار منازل بأموال طائلة في دمشق , كما كانت جيدة لبعضهم لنقل ما يمكن نقله من بيوتهم إلى خارج الحي بعد هذه الحملة العسكرية.
ومع بدء الهدنة أدخل النظام الأسدي 200 سلة غذائية للمحاصرين داخل برزة , و أعاد بعض الخدمات الحياتية من ماء وكهرباء لأقسام منه, فيما لا يزال العمل مستمراً على إصلاح شبكة الهاتف الأرضي و شبكة الطرق في باقي مناطق الحي .
يعد ملف المعتقلين هو أكثر الملفات تعقيدا في بنود الهدنة، وفي الوقت الذي ما يزال النظام يقدم وعوده في سبيل إخراجهم، لم يخرج حتى الآن إلا أربعة معتقلين من أصل 400 حسب ما ذكر لنا ناشطون
تبدو الهدنة بالنسبة للأهالي الخيار الأمثل من بين الخيارات التي وضعت أمامهم.
ومع اختلاف وجهات النظر والمواقف وكثرة الكلام الذي يدور حولها يبقى أهالي الحي هم الأحق في اختيار الأفضل كما يرونه، ويبقى اهل برزة أدرى بشعابها..
كتبه لمكتب دمشق الإعلامي:
ناظم عثمان
مكتب دمشق الإعلامي